الصحراء 24 : بقلم / محمد الداودي
بادئ ذي بدء لا بد من ألقول هنا أننا لا نحمل أي توجه يعارظ حرية ألتعدد ألحزبي بخلفياته ألمتعددة يسارية أو ليبرالية أو على شكل إسلام سياسي أو شيوعي .
فأللإختلاف رحمة وتدافع محمود داخل المجتمعات المتحظرة .
بحيث أن هذا ألتنوع ألفكري ليس غريبا علينا كمسلمين من خلال وعينا بوجوده في حظارتنا الإسلامية ألتي لم تسلم هي الأخرى من تعدد ألمذاهب .
الحكاية هنا مختلفة من حيث ألشكل وألمضمون .هنا نحاول فقط فهم السياق ألسياسي ألعام الذي تدار به بلادنا من خلال نوعية ألخطاب السياسي المتداول ومن خلال المنتوج ألحزبي في قدرته على تأطير ألمواطنين ومن خلال فهم ألعامة للسياسة كممارسة وبرامج من ألمفروظ جدا وجود إختلافات داخل تركيبتها ألحزبية ألمؤطرة بإديلوجيات متنوعة .
بحيث أن هذا هو مبرر وجود الاحزاب ألسياسية ألتي من المفترظ أن نجد داخلها منخرطون ومناظلون لا زبائن ومنتفعون يغيرون ولائهم ألحزبي عشيت كل إستحقاقات إنتخابية.
شكل الممارسة ألسياسية بالمغرب خلال العقدين للإخيرين على الاقل أفرغت ألسياسة من مدلولها ومن نظاليتها كآلية معتمدة لتغيير أحوال ألمجتمع وألرفع من وعي ألجماهير .
بل أنه حتى على مستوى إنتاج ألخطاب ألسياسي لم تعد هذه الاحزاب قادرة على مسايرة ألمجتمع ألذي تخندق داخل أحزاب ألفايس بوك وألتكتوك.
وهكذا برز إلى الوجود مناظلون بين قوسين من نوع آخر من أمثال.
مولينيكس ولد الشينوية وقرقيبة ومول القرطاسة وهلم جرا من صناع خطاب ألتفاهة ألمؤطرة بعدد ألمشاهدات التي تجاوزت أللألف ألمؤلفة.
أللأحزاب وألنقابات كأذرع واقية لكل نظام سياسي تحولت بين عشية وظحاها إلى دكاكين تجارية تنخرها صراعات ألمواقع ألداخلية وتنهكها ألمؤامرات الذاتية .
حتى قرارها السياسي أصبح يملى عليها من خارج هياكلها ألصورية .
هناك رأي قائل أن وضعية ألمشهد ألحزبي ألمغربي ألحالي لم يكن قدر منزل بمعزل عن يد الدولة الطويلة ألتي ساهمت في صناعة هذا ألمشهد ويستدل دعاة هذا ألرأي على مجموعة من ألتطورات ألتاريخية في هذا ألصدد إنطلاقا من صراع أليسار المغربي مع ألقصر سنوات ألسبعينات وصولا إلى تمييع المشهد الحزبي ألعام مع خروج مستشار ألملك فؤاد علي الهمة ألذي أحدث رجة داخل هذا ألمشهد الرخو.
لن نطيل هنا في سرد ألحكاية بحكم أن ألنتيجة هي ما نعيشه أليوم وهو زواج كاثوليكي بين المال وألسلطة .
بين المتملكين لمفاتح أللإقتصاد الوطني من غاز وبترول وتحلية مياه البحر وتجار اللأدوية وأصحاب ألمصحات وألمدارس الخاصة بل حتى مصنعي الحلوى والشكلاطة .
كل هذا تصالح وتحالف في حملة لا أقول أنها صليبية ماعذا الله ولكنها ترقى إلى قوة ذاك ألتحالف التاريخي ضد البوليتاريا ألذي سبق أن شهدته مثلا دول غربية كفرنسا قبل ثورة الأنوار أو روسيا قبل ثورة لينين.
المال وألسلطة عندما يقترنان وفق زواج قدسي فإنهم يلدون شيطان وهذا الشيطان لاحدود لبطشه ألناعم ولا حدود لجشعه ألواسع ولا حدود لتعطشه في مراكمة ألكسب من ألسماء إلى الأرض ومن ألبحر إلى ألشجر .
عندما تم تقديم الحكومة ألحالية في نسختها الثانية أي بعد ألتعديل تحت عنوان تعزيزها بالكفاءات لم يستوعب الكثيرون من ألمتابعين للحياة ألسياسية أن الأمر هو تحصيل حاصل يندرج في ترجمة ألفهم ألحقيقي لمفهوم زواج السلطة وألمال إلى واقع يراد له أن يكون طبيعيا لدى ألعامة ولدى ألنخبة ألسياسية إن بقى لها وجود .
فتابع ألجميع كيف تم وضع رجال أعمال على رأس قطاعات إجتماعية آساسية كالتعليم وألصحة وألتعليم العالي ….الخ ..
وكيف أن ألجريدة الرسمية صدرت لتظهر فقط إختصاصات اثنين فقط من كتاب ألدولة من أصل خمسة .
وكيف كشفت آلية الأسئلة الشفوية بالبرلمان عن مستوى تدني ألوعي السياسي عند ألكثيرين من الوافدون الجدد على ألحكومة .
بمعنى أن الكفاءة هنا كمفهوم لا علاقة لها بالكفاءة ألسياسية وهذا توجه إيديلوجي جديد يحسب كمنتوج سياسي لزواج السلطة بالمال.
الذي يمكن لنا اليوم ان نقول اننا نتوفر على حكومة موظفين وليس حكومة سياسين .
وربما هذا إبداع جديد يمكن أن يتم تصديره للعالم على غرار مجموعة من التجارب ألسياسية العالمية التي أثبتت نجاعتها في ألعديد من الدول الغربية أو الأفريقية .
في هذا ألسياق ألسياسي ألساحر بعجائبه ألتي لم يسبق لها تاريخ .
جاء تعيين أللأنسة لطيفة أحرار كوجه من وجوه ألفن وألمسرح ألتي ركزت ذكراها في مخيلة ألشعب من خلال نمط في ألحياة يبحث عن ألتميز حتى وإن كان هذا ألتميز فيه إستفزاز مشاعيري للمغاربة .
ونحن هنا لا ننكر عليها نمط إختيارها للحياة فتلك حياة شخصية حتى وإن حاولت أحرار أن تسوقه لنا كنموذج يحتذى به .
تعيين هذه ألسيدة ضمن إطار مؤسساتي مهمته تقييم ألتعليم ألعالي وألبحث ألعلمي حرك ألكثير من ردود ألفعل إستهدفت شكل ومضمون التعيين.
لكن غاب عن كل هذه الردود معطى آساسي ومهم وهو السياق ألسياسي العام الذي نعيشه مع زواج ألسلطة بالمال وكيف أن كهنة هذا ألمعبد لا يترددون في صناعة أحداث ما لغايات معينة ومحددة هدفها ألحفاظ على سقف معين من النقاشات العمومية ألتي يجب من منظورهم أن لا تتعدى رد ألفعل و الدوران الحلزوني في رداة الفعل وتصوير الأمر على أنه لا يعدو كونه مواقف ذاتية بعيدة كل البعد عن جوهر الموضوع حتى وإن كان بالون التلهي هذا إتخذ من قطاعي ألبحث العلمي وألتعليم العالي ساحة لصناعة التفاهة وهو أمر خطير وجلل.
وخطورته تكمن في ترسيخ غياب مفهوم الدولة اللإجتماعية بحيث أننا اليوم أمام مشهد لم يعد معه المواطن العادي يجد في التعليم ألعمومي بارقة أمل وقاطرة لمستقبل الأبناء ولم يعد يجد أيضا هذا المواطن في المستشفيات العمومية ملجئ للإطمئنان على صحته البدنية و النفسية .
ولم نعد نجد من تصور للمستقبل غير ألوقوف على شواطئ ألمحيط الأطلسي نتمنى عصا موسى التي أفلقت البحر وجعلته ممرا للنجاة .
لكن زمن ألمعجزات ولى وزمن الأنبياء والرسل إنتهى.
بحيث أن مفهوم النبي وولي الله الصالح اليوم الذي ينتظر المواطنون بركاته هم الساسة وصناع السياسات ألعمومية التي يرجى منها أن تعالج الكثير من أللإشكالات ألمجتمعية من بطالة. وغلاء الأسعار ومديونية الخ من الاهتمامات ألحقيقية للشعب المغربي ألذي أنهكته بالونات صناعة الأحداث ألتافهة ألتي لا يجد فيها غير بضاعة تعرظ على مواقع ألتواصل أللإجتماعي كمادة للتسلية المؤقتة سريعا ما ينتهي مفعولها ألمخدر لنصحوا على ألبحث عن أجوبة حقيقية لمشاكلنا أليومية ألمشتركة فيما بيننا كشعب .
خاطئ من يعتقد أن الوعي العام المتقدم للشعوب فيه خطر على ألنظام السياسي .
وواهم من يعتقد ان سلاح ترويج التفاهة وحمايتها كحجة في مقابل المنتقدين طريق نحو ترسيخ مفهوم الدولة الحداثية الديمقراطية .
تنمية وعي الشعب من خلال تعليم أولي راقي وتعليم عالي في ألمستوى وضمان تلقي خدمات صحية حديثة وتقديم إعلام تنويري يساهم في تنمية الوعي العام للشعب .
كل هذه الأشياء هي الصمام الحقيقي لحماية أي نظام سياسي جاد لا يجاوز بين السلطة و المال .
أما وألحال على ما هو عليه بل تعداه إلى أن شاهد المغاربة كل ألمغاربة عبر شاشة تلفزتهم ألرسمية وبالمباشر من مؤسسة دستورية هي ألبرلمان رئيس حكومتهم يدافع بكل شراسة وعنفوان قل مثيله في ألدفاع عن ألقضايا ألمجتمعية .
عن شرعية إستفادته كرجل أعمال من موقعه كرئيس للحكومة من صفقة تحلية مياه ألبحر .
هنا فقط يصبح تعيين أحرار بالهيئة ألمكلفة بتقييم التعليم العالي والبحث العلمي نقطة في سياق بحر من عجائب الزمان الحاظر الذي نسأل الله فيه اللطف حتى لا نستيقظ على تعيين قريقيبة بهيئة مكلفة برعاية الطفولة ومولينيكس بهيئة مكلفة بجودة اللإعلام ولد الشينوية بمجلس رقابة على فن ألعيطة .
على الأقل أحرار تشفع لها كنيتها المشتقة من تسمية الحزب ألحاكم ..
بقلم / محمد الداودي
