رحلتي إلى “سيدي إيفني” الساحرة..

الصحراء 24 : بقلم / نجاة حمص 

أحيانا، تسوق إلينا الحياة من تلقاء نبلها وكرمها مفاجآت لطيفة، شهية، وفي منتهى الفخامة، فيخيل إلينا وكأن الرحمن الرحيم يطبطب على ظهورنا من فوق سابع سماء بأحداث تحول الخيال إلى  أجمل حقيقة، ذلك ما حدث معي.. بالضبط.

تلقيت دعوة مفاجئة من منظمي منتدى الصحراء المغربية الدولي للصحافة والإعلام، دعوني بأدب  جم لحضور الحدث، حدثوني عن مبادرة سفراء الجزيرة، عن ضيوف الشرف، عن “سيدي إيفني” وعن ورشات الدورة التكوينية، فشعرت وكأني دعكت بالغلط على مصباح علاء الدين السحري وخرج لي المارد ليحقق لي أمنية، وأنا نقطة ضعفي الدراسة والتعلم،.. سقطت دفاعات تحفظي فورا أمام الدعوة المغرية، ولم يكن أمامي إلا الانصياع لإغراء التتلمذ على أيادي جهابذة قناة الجزيرة.

طبعا لن أطيل  الحديث عن جمال المناظر الطبيعية، “قولوا لي طولي!”، ففي الطريق إلى الدورة التكوينية وقعت في غرام الطبيعة، سحرتني  المرتفعات المكسوة باللون الأخضر المبهج و المريح للعين، أسرتني بساطة ساكنة المنطقة، خلب لبي ذاك المزيج المذهل الذي جمع زرقة البحر وخضرة الأشجار، كنت أظن أن  حاسة الإنبهار لدي قد فترت وأن حدقتي توقفت، منذ زمن،  عن الاتساع،  لكن في  “سيدي إيفني” لم تفارقني الدهشة.

وليكتمل الحلم، نزلت ضيفة بفندق أخذ مضجعه على شاطئ البحر، يبدو للوهلة الأولى وكأنه لوحة فنية رسمت باللون الأبيض والأزرق، أو لقطة من فيلم رومانسي حالم، يضيف إليها صوت تكسر الأمواج القادم من قريب سحرا  يسلب الألباب ويحرك أشد القلوب رصانة ورزانة.

انتظرت أول حصة من الدورة التكوينية بفارغ الصبر، أحسست أني بعثت تلك الطفلة التي حملت ذات بداية موسم دراسي ورقتها المطوية على أربع وقلم “بيك” أزرق، ومع أول نسمات الصباح كنت أقف بانتظار الحافلة..

أثناء الانتظار، تقدم للسلام علي زملائي في الدورة، أشخاص من مستويات فكرية وفئات عمرية مختلفة، و القاسم المشترك ان الكل كان متلهفا وحريصا على ألا تفوته المتعة.. أقصد الحصة.

دخلنا “منصة الشباب” بأقدامنا اليمنى ثم انتشرنا، شعرت بالرهبة وأنا استكشف المكان بعيني باحثة في الملصقات الارشادية المتناثرة على الجدران عن اسم الورشة التي انتسبت إليها. كنت قد اخترت “إدارة غرفة الأخبار” ، لكثرة ما ترددت على “ريجي” قناة العيون الجهوية، من خلال تداريب عمقت شغف الإشراف على غرفة الأخبار بداخلي، وكما كنت مولعة برئاسة التحرير، كنت  عاشقة  “السكريبت”، “السانتي”، “المونتاج”، ” الإخراج”.

 أول ما ولجنا الورشة، أسرنا  السيد “امحمد العيشي” بدماثته، كان قامة إعلامية سامقة، لم تمانع أن تنحني بتواضع لتطعم  قصار القامة من أمثالنا، رئيس تحرير نشرات الأخبار بقناة الجزيرة الإنجليزية من الطراز الرفيع، رجل نبيل، تعود على التواصل الإنساني المهني المهذب، طيب الكلام، طويل البال، عصي  عن الاستفزاز، وجد نفسه أمام أشخاص حالفهم الحظ وشجعهم الشغف على تحمل مشقة السفر والتنقل، فلم يبخل عليهم بما راكم من تجارب وخبرات، جمعها على مدار سنوات من الكد والجد والاجتهاد، وتبرع بها علينا خلال ثلاثة أيام بابتسامة حانية وعن طيب خاطر.

وبينما نحن في محراب ورشة “إنتاج النشرات الاخباريه” قانتون، وقد صرفنا كلنا  إلى السيد “العيشي”، دخل “الكبير”:   “هاشم اهل برا”، بخطواته الرشيقة القوية وأكمامه المشمرة، بابتسامته الواسعة، و بنظرات عينيه الثاقبتين اللتين تشعان ذكاء وعبقرية من خلف نظارات طبية أنيقة،.. ألقى تحية الصباح على زميله، جناب مؤطرنا، بصوته الجهوري المميز، ثم حانت منه التفاتة إلينا لربما كانت سبب تلك الكلمة المؤثرة التي ألقاها على مسامعنا وحبست أنفاسنا،.. كلمة رجل “ناج”  كلها تشجيع  وتحفيز وإلهام ، تجعلك تشعر وكأنه كان بأمس الحاجة لسماعها في مرحلة من مراحل رحلته الشاقة.

لا يعلم ابن “طانطان”  كم كان وقع كلمته عميقا، وكم  كنت بحاجة لسماعها في ذلك التوقيت بالضبط، و رغم أن طريقه لم يفرش بالورود إلا أنه كان على استعداد لخوض نفس التجربة لو عاد به الزمن إلى الوراء،.. فما أعظمه!.

ومن القاعة المجاورة، كان يتناهى إلى مسامعنا صوت الرائع “محمد البقالي”، الصحفي الألمعي، الإعلامي  المتألق، الكريم الذي يجزل العطاء، السخي الذي لا مانع لديه من إعطاء عصير خبرته وخلاصة تجربته الميدانية الفريدة، الأستاذ الرصين   الذي يقوم أخطاء التقارير التلفزيونية بقلم مهني أحمر صارم، فلا تملك إلا الإعجاب بدقة ملاحظاته و بشخصيته  الوقورة.

الورشة الأخرى كانت “البودكاست”، تؤطرها  الراقية “أمينة الصياد”، والتي تمتاز  بشخصية تستوطن القلوب بلا عناء و تترك عليها توقيعا ناعما ومخمليا، تراوح بتناغم بين العذوبة والاحترافية والصلابة، سيدة تجعلك تشعر بالنبل الذي ترعرعت فيه وحافظت عليه طازجا، فانعكس على تعاملها الفخم مع من حولها.

منذ صغري وأنا لدي ميل غير منصف إلى نجوم الصحافة و الإعلام، فلطالما أدمنت التحديق في القنوات الإخبارية، المذيعين الكبار، أصحاب الفخامة والأبهة والمهنية،  ورغم الشواهد التي سبق وحصلت عليها من معاهد الصحافة، إلا أن تجربة سيدي “إيفني” كانت مميزة، وإن كنت مدينة بشيء فهو لانبعاث الإحساس بالدهشة، الإنبهار، الذهول…

ثم جاء الحفل الختامي ليمسك بيدي ويحملني إلى طبقة أعلى من الحلم، إلى مقابلة نجوم تربعوا في  خانات أسمى و منازل أعلى..

لا وصف لشعوري عندما اعتلى النجم “ماجد الشجعي” المنصة، فسحب الأضواء بلا أدنى مجهود وأرغمنا على إطلاق شهقات الإنبهار، ظهيره  حنجرة ذهبية تزلزل القاعة وتبعث في جسد المستمع قشعريرة لذيذة،.. الإعلامي الصحراوي الفذ، أسرني وسائر الحضور بقدرته على الارتجال، وبقوة كلماته وعنفوانه وشموخه، بدا وكأنما خرج لتوه من شاشة التلفزيون ليسحبنا خلفه نحو الزمن الجميل للصحافة والإعلام.

ثم تتوالى المفاجآت المذهلة، وينادي العالمي “ماجد الشجعي” بصوته المزلزل على القيدوم “مصطفى العلوي”، فتهتز القاعة على صدى التصفيقات الحارة، وتستدير الأعين باتجاه واحد، في توقيت واحد الى حيث ظهر المقتدر، اللامع الذي لم تزده السنوات الا تألقا، المحاور الذي دخل البيوت وتربع على عرش القلوب من خلال صوته المألوف المرافق للأنشطة الملكية، صاحب الدمعة الشهيرة التي كسرت هيمنة الوقار وهو يعلن عن وفاة المغفور له “الحسن الثاني” طيب الله ثراه.. “مصطفى العلوي”.

أمام الأعين المبهورة توجه إلى المنصة، بنفس الملامح التي حفرت في الأذهان، بنفس الطيبة والوداعة والأعين الحانية ، وقف على المنصة وهو يغالب دموعه فغلبته أمام فرحة الحضور  الذي التهبت أكفه بالتصفيق وهو يستقرئ في عملاق الإعلام بعض أمسه، ثم جاء صوته الرخيم ليعيد للذائقة الجمعية صفاءها ورقيها.

بعدها جاء دور “خليل البلوشي”، المعلق الرياضي العماني الشهير، نجم المونديال، داعم المملكة وأسودها، مزلزل الملاعب، مروض الكلمات وملهم المعلقين، فازدادت الحدقات اتساعا غير مصدقة، وعلت التصفيقات من جديد،  مرحبة بضيف المغرب الكبير..

تناثر حولي النجوم  ” عبد الصمد ناصر ” ، “صلاح الدين بصير”، ” عزيز بودربالة”، “خيري”، ” نادية الموذن”، “القواتلي”،” عماد فواز”… تهت بين عمالقة كرة القدم وأصحاب المعالي سادة الإعلام وتفاصيل دقيقة، كثيرة، استدمعت فخامة تليدة قادمة من الماضي.

ضيفني منتدى الصحراء المغربية الدولي للصحافة والإعلام فعشت على امتداده في حلم أبدع المنظمون في صنع تفاصيله، تجربة مميزة وفرصة للارتواء في معين سفراء الجزيرة المبجلين، الذين أسقطوا الكلفة بيننا و بينهم فزادت الألفة، رحلة غنية وغزيرة المعلومة والفائدة، وفرصة للانفتاح على خبرات وتجارب من سبقونا في الدرب.

ممتنة لملاكي الحارس، شاكرة أنا  للدعوة الكريمة، لنبل ورقي عامل الإقليم الدكتور المثقف البشوش “حسن صدقي”، لدعم ابن الخيمة الكبيرة ” لحسن بلفقيه”، لتعب وجهود الرجل الطيب “رشيد البطاح”، لسهر ممثل معهد الجزيرة  على مواكبتنا وخدمتنا، للطف كل من اشرفوا على التفاصيل، لتفاني جنود الخفاء الذين يستحقون الثناء.

بقلم / نجاة حمص

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد