إضراب عام في المغرب رفضًا لمشروع قانون الإضراب: جدل مستمر حول الحقوق النقابية

في ظل تصاعد الجدل القانوني والاجتماعي حول مشروع قانون ممارسة حق الإضراب، أعلنت المنظمة الديمقراطية للشغل عن خوض إضراب عام يوم الأربعاء 5 فبراير 2025.

وأكدت المنظمة أن هذا القرار يأتي في إطار الدفاع عن المكتسبات الدستورية للطبقة العاملة والتصدي لما وصفته بمحاولات التضييق على هذا الحق من قبل الحكومة.

حق الإضراب بين الدستور والمواثيق الدولية

يعد حق الإضراب من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور المغربي، حيث ينص الفصل 29 على أن “حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”.

كما أن هذا الحق يحظى بسند قانوني في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، لا سيما اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تشدد على احترام حرية العمل النقابي، بما في ذلك الإضراب باعتباره وسيلة مشروعة للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ورغم ذلك، فإن إقرار قانون تنظيمي يحدد شروط ممارسة الإضراب يجب أن يراعي التوازن بين حقوق العمال في التفاوض والاحتجاج المشروع، وبين حق أرباب العمل في استمرار النشاط الاقتصادي، دون أن يتحول التشريع إلى وسيلة لتقييد هذا الحق أو تجريمه فعليًا.

انتقادات نقابية لمشروع القانون

تشير المنظمة الديمقراطية للشغل في بلاغها إلى أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب تم تمريره خارج مؤسسة الحوار الاجتماعي، دون إشراك كافة الفرقاء الاجتماعيين، وهو ما تعتبره مخالفًا للمبادئ الدستورية التي تقتضي التوافق والتشاور في القوانين ذات الطابع الاجتماعي.

كما عبرت النقابات عن رفضها لما وصفته بـ”الآلية الأحادية” التي اعتمدتها الحكومة في تمرير المشروع، دون إتاحة الفرصة للهيئات العمالية والمهنية لتقديم مواقفها وتعديلات جوهرية.

وترى هذه النقابات أن هذا النهج يتعارض مع الممارسات الديمقراطية التي تستوجب إشراك جميع الفاعلين الاجتماعيين في صياغة التشريعات التي تمس حقوقهم الأساسية.

التعديلات المقترحة ومدى توافقها مع المعايير الدولية

ورغم إدخال تعديلات على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، فإن النقابات ترى أنها لم تمس جوهر الإشكالات المطروحة، خاصة فيما يتعلق بالشروط والإجراءات المفروضة على ممارسة الإضراب.

كما يطرح تساؤل حول مدى توافق هذه الصياغة مع المعايير الدولية، خصوصًا أن منظمة العمل الدولية أكدت في تقارير سابقة على ضرورة ألا يكون التشريع الخاص بالإضراب وسيلة لتقييده بشكل تعسفي.

من الناحية القانونية، يظل الإضراب وسيلة ضغط مشروعة، إلا أن غياب إطار قانوني متوافق عليه قد يجعله محل نزاع بين النقابات وأرباب العمل، مما قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات تأديبية أو قضائية بحق المضربين. وهنا يبرز التحدي في إيجاد قانون ينظم الإضراب دون المساس بجوهره كحق دستوري.

الحاجة إلى حوار اجتماعي متوازن

تؤكد مختلف النقابات أن معالجة قضية تنظيم الإضراب لا يجب أن تتم بمنطق أحادي أو تقييدي، بل ينبغي أن تستند إلى حوار اجتماعي حقيقي يضمن مشاركة جميع الأطراف المعنية. كما أن أي قانون تنظيمي يجب أن يكون متوافقًا مع الدستور والالتزامات الدولية للمغرب، حتى لا يتحول إلى أداة للحد من الحقوق النقابية، بل إطارًا ينظمها بشكل عادل ومتوازن.

الإضراب.. خطوة نحو التصعيد أم دعوة للحوار؟

يأتي هذا الإضراب في سياق توتر اجتماعي متصاعد، حيث ترى النقابات أن التشريع الحالي يمس بجوهر الحق في الإضراب، بينما تصر الحكومة على أنه ضروري لتنظيم هذا الحق بما يحقق التوازن بين مختلف المصالح.

وبين هذين الموقفين، يظل الحل الأمثل هو فتح قنوات الحوار الاجتماعي الجاد، من أجل التوصل إلى صيغة قانونية تحمي حقوق العمال دون الإضرار بسيرورة الاقتصاد الوطني.

في ظل هذا الوضع، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيكون هذا الإضراب خطوة تصعيدية تدفع الحكومة إلى التراجع عن مشروعها الحالي وفتح باب الحوار، أم أنه مجرد بداية لسلسلة من الاحتجاجات النقابية التي قد تؤدي إلى أزمة اجتماعية أوسع؟

banner derhem
تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد