afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

النــومــوفوبيـــا ‼

الصحراء 24 : ذ/ ايوب علاوي

تعد النوموفوبيا من بين الأمراض النفس ـ اجتماعية التي دخلت حياة الناس الخاصة من باب واسع  وتغلغلت في جيوب المجتمع  الذي أصبح بدوره مرغما على احتواء مثل هذا الفيروس الذي حملته رياح الثورة التكنولوجية، في الآونة الأخيرة، مما ترتب عنه عدة مشاكل اجتماعية ونفسية لدى مدمني الهواتف الذكية ورواد الشبكات الاجتماعية في العالم، التي أُسست لهدف واحد هو التواصل لا غير، لكن سرعان ما تحول هذا التواصل إلى اللاتواصل داخل بعض المجتمعات التي مازالت تعاني من مشكل “تدبير الزمن” وسوء استخدام  التقنية، التي أضحت في عصرنا هذا تتحكم بشكل لا يُتصور في حياة الكائن الاجتماعي وفرضت عليه سلطتها، بل جردته من دوره الأساس في الحياة كفاعل اجتماعي مسؤول داخل المجتمع بشقيه المصغَّر ـ الأسرة ـ والكبير، من مستعمِل لهذه التقنية  إلى مستعْمَل، أي من فاعل إلى مفعول به، وذلك جراء تعامله الغير معقلن مع هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة، التي أجبرته على قبول  هذا التغير السلبي الذي ينبئ بأن هناك ثمة شيء غير طبيعي سيعرقل لا محالة السير العادي لشخصية هذا الكائن الجديد الحامل لحمة ـفيروس النوموفوبيا، بخاصة الذي  يعيش في البيئة  التي تنتشر فيها ثقافة الاستهلاك المفرط للتقنية بكل أنواعها، معتقدا هذا الكائن الرقمي – أن تقدم الفرد منوط بامتلاك آخر ما جد في عالم التقنية، وتحديدا الهواتف التي كانت تستخدم في البداية للتواصل بين الأشخاص، وتقريب المسافات، بينما الآن أصبح للهواتف وخاصة  Smartphoneالذكية  منها دور أساس  في  حياة الفرد، على اعتبار أنها الوسيلة الوحيدة التي تمكنه من مواكبة ما يجرى في العالم من أحداث وتطورات على مستوى جميع الميادين، وهذا قد يتحقق عند الفئة  التي تتعامل مع التقنية بحذر، آخذة بعين الاعتبار أن الإدمان على استخدام هذا النوع من التقنية أو ذاك بشكل مفرط قد يجعل منه في المستقبل القريب نظيرا لها من دون شك، أما الفئة الأخرى التي استولت التقنية على حياتها اليومية وغيّرتها إن لم نقل بعثرتها وجعلت مستخدمي الهواتف الذكية أو بعبارة أفصح مدمني الشبكات الأجتماعية ـ Facebook ، WhatsApp  يشكون ضمنيا آلام التبعية المرضية للآلة، التي يعتبرها Sanchez Mario في دراسته ” النوموفوبيا والإدمان على الشبكات الاجتماعية” بمثابة عَرَض أولي لظهور هذا المرض النفساجتماعي، في المجتمعات المعاصرة بمختلف طبقاتها، مخلفا وراءه حسب الباحث نفسه أعراض أخرى من قبيل تعصب واضطراب الشخص الْمُسْتَعْمِل لهذه التقنية وبخاصة في اللحظات التي يتواجد فيها خارج نطاق تغطية الشبكة، أو في حالة نسيان الهاتف في المنزل، وبالتالي قد ينجم عنه من دون شك قيم اجتماعية سلبية من قبيل مخالفة المواعد، والكذب في بعض الأحيان، ناهيك عن الوقت الذي يستغرقه هذا الكائن الرقمي ـ المفعول به ـ  في العالم الافتراضي وتحديدا داخل الشبكات الاجتماعية، أضعاف الوقت المستغرق في أداء المهام المنوطة به، وهذا أعرب بطبيعة الحال عن  نتائج غير مرضية للإنسانية التي أدخلها هذا الكائن الرقمي المستلَب في صراع مستمر مع الآلة التي بات عبدا لها، ومن بين هذه النتائج السلبية التي تصدرت اللائحة نجد “مرض النوموفوبيا”  Nomofobia بالإسبانية تعني الخوف الشديد ـ الرهاب ـ من فقدان الهاتف، أو “الشعور بالخوف من التواجد في مجتمع غير مزود بخدمة الأنترنت”، فالنوموفوبيا no-mobile-phone phobia تعبير انجليزي الأصل اختصره الباحثون في كلمةNomophobie  وتعني مرض يصيب الفرد جراء استخدامه المفرط للتقنية، ويؤكد هذا  Mario Raniro Sanchez Arévalo الباحث الاسباني المتخصص في علم النفس، بقوله إن المسبب الفعلي لهذا الاضطراب هو ما أسماه بتكنولوجيا الجيب التي استولت على حياة الناس. لكن إذا تأملنا هذا الاستنتاج جيدا نخلص لا محالة إلى أن المسؤول الأول عن هذا الاختلال هو الفرد نفسه بفعل تصرفاته الهجينة والغير مقبولة اجتماعيا، لأن القواعد والأعراف التي تحكم الواقع الاجتماعي بدول الجنوب، ليست هي نفسها المعمول بها في العالم الافتراضي الذي جاء نتيجة لتكامل الأسس الحضارية للتقدم بدول الشمال.
واللافت للانتباه أن النوموفوبيا في المغرب انتشرـ أي الاضطراب النفسي ـ بشكل واسع والدليل على ذلك هو ظاهرة الامتلاء التي باتت تشهدها المرافق الاجتماعية كالمقاهي مثلا حيث تجد معظم الكائنات المؤثثة للفضاء رقمية ومدعمة، تُسَوِّقُ حياتها عبر هذه الوسائل التكنولوجية التي تُسْتَخدَمُ غالبا في التلصص على حياة الآخرين أو ترسيخا لثقافة ” شُوفُنِي” أي التظاهر، ناهيك عن التعليقات والتغريدات بلغة الرموز التي تبالغ  في المدح لمن شاطرهم الرأي تارة، والويل الثبور لمن خالف أمرا من أمورهم تارة أخرى.
لهذا فمن المحتمل، أن يساهم هذا الاضطراب ـ القلق النفسي ـ المترتب عن النوموفوبيا مستقبلا في تكريس لثقافة معطوبة وهجينة تسعى إلى هدم المجتمع وطمس هوية الفرد من داخله أكثر مما تهدف إلى بنائه، الذي يتطلب رؤية مستقبلية تراعي حاجيات مختلف الفئات، آنذاك يمكننا وضع حد  لهذه الظاهرة الاجتماعية المعدية التي أربكت حياة الناس عامة، والتلاميذ والطلبة خاصة، جراء الاستعمال الغير معقلن، الذي يقتصر فقط على نشر ومشاهدة الصور، أو قراءة بعض العناوين بشكل سريع كي يمر هذا الكائن المدعم والمدمن إلى جداره الخاص باحثا عن ضحاياه الذين ألفوا لغته وتصرفاته المشينة التي لا تتماشي والسائد المعتاد، والأدهى من ذلك هو أن النوموفوبيا كعدوى تبدو متفشية في أوساط التلاميذ والطلبة بشكل مخيف لدرجة أن جل مشاكلهم ناتجة عن سوء تفاهم قد يكون المسبب فيه إما رسالة قصيرة بُعِثت عن طرق الخطأ، أو قبول صداقة شخص مجهول، أو تعليق غير لائق إلخ.. مما يكلف كل من المرسِل والمُرْسَل إليه وقت طويل لتسوية الخلاف افتراضيا ـ أي عبر Facebook ، WhatsApp  ـ هذا في حالة إذا كان كل منهما مزود بخدمة الانترنيت، أما إذا اختل التوازن في جهة ما فالصراع سينتقل إلى العالم الواقعي لا محالة وهو بطبيعة الحال المدرسة والشارع، دون أن نتناسى هذه الكائنات التي باتت تتفاوض افتراضيا طوال الليل بدون جدوى ستظل أناء النهار تعيش حالة نفسية مضطربة، قد يترتب عنها ضعف في التحصيل الدراسي من جهة، وردود أفعال عنيفة من جهة أخرى.
إلى هذا كله نضيف أن المستعمل للتقنية ـ الهواتف الذكية ـ بشكل مفرط فهو معرض للإصابة بهذا الاضطراب الذي تتسبب فيه عدة عوامل، من بينها ترك الهاتف مشغل ليل نهار، تفقد الهاتف بلهفة من حين لآخر، التأكد من شحن البطارية باستمرار، حمل الهاتف النقال معه أينما حل وارتحل، ناهيك عن الاستعمال السلبي في الشوارع لهذه الوسائل التكنولوجية الحديثة التي قد تؤثر عليه سلبا في المستقبل القريب جراء هذا الاستخدام المفرط والغير مقنن.
ونحن بقولنا هذا، لا ندفع إلى التشاؤم، ولا نعلل ضعفنا في التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، بل نسعى من خلاله إلى مواجهة عدوى مرضية اجتاحت العقليات في وقتنا الراهن، متمثلة بالأساس في الإدمان على الشبكات الاجتماعية، والاستعمال المفرط للهواتف الذكية، لذا فالحد من انتشار هذه الظاهرة والتحسيس بمدى خطورتها يقتضي العودة إلى الواقع  من جديد والانخراط فيه مؤسساتيا عبر برامج هادفة ورشات تحسيسية بهذا الخطر الثاوي وراء هذا الاستعمال الغير معقلن للوسائل التكنولوجية الحديثة الذي يلحق ضررا بالشباب المراهق خاصة، كما يفعل فعله في توجيه التنشئة الاجتماعية عامة، ومع كل هذا يبقى السؤال للقارئ هل كان العالم سيكون أسوأ دون هذا التطور التكنولوجي؟  
 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد