afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

هل نهاية اسرائيل كنهاية الصليبين؟

 

 

 

د. عبد الحي زلوم

 

 

 

في رحلة من عمان الى نيودلهي، جلس على مقربة مني رجل أشيب ربما في نهاية الستينات من عمره، وبعد تجاذب الحديث اخبرني أنه كان السفير “الاسرائيلي” في عمّان بين 1997 -2000. قلت له بعفوية أنه ربما أيضاً من الموساد، فقال: أبداً، عملت في وزارة الخارجية أكثر من 40 سنة والان تقاعدت. فسالته ماذا تعمل الان فقال : في مركز الدراسات الاستراتجية في تل ابيب. فقلت مازحاً: أنت اذن اكيد من الموساد . ولكي نعرف عن نوعية الكفاءات التي ترسل الى عواصمنا فالرجل حصل على درجة الدكتوراة من احدى الجامعات العريقة في بريطانيا واستلم منصب سفير بلاده في الاتحاد الاوروبي ولدى الناتو . كما انه كان مساعداً لوكيل الوزارة الخارجية، وهو ايضاً مستشار لجنة الخارجية في الكنيست.

سألني: ماذا أعمل؟ أجبته: بأني لاكثر من خمسين سنة أعمل في قطاع البترول وأني بدأت بالكتابة منذ عشرين سنة وان لي 9 كتب بالعربية و5 بالانجليزية نشرت في الولايات المتحدة ويمكنه الحصول عليها على amazon.com. فسالني: هل تعلم أن لديكم بترول في الاردن فقلتُ له: طبعاً. فالصخر الزيتي يحتوي على 50 مليار برميل بترول اي ضعف احتياط قطر من البترول مما يكفي الاردن اكثر من 100 سنة من حاجتها للاستهلاك المحلي وأني منذ 1980 ادعو للاهتمام بهذا المصدر والا فإن فاتورة الطاقة  في الاردن تصبح لا تطاق وهذا ما حصل. وأخيراً هناك مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من الصخر الزيتي بطاقة تزيد عن 500 ميغاوات. قلت له: أني لم اقل هذه الحقائق الا لاني متأكد انك تعلمها جيداً. وقال: هل تعلم أن لدينا نحن ايضاً مخزون كبير من الصخر الزيتي؟ قلت: نعم وأعلم عن الابحاث التي يقوم بها الدكتور هارولد فاينغار (Vinegar)  والذي هاجر بعد تقاعده من شركة شل من الولايات المتحدة الى فلسطين قبل سنوات قليلة وأنه يدعي بأنه بحلول سنة 2020 سيتم انتاج ما يزيد عن استهلاكهم المحلي من البترول من الصخر الزيتي مستعملين طريقة شل للانتاج وأنه كان مختصا بالاستخراج الغير تقليدي كالصخر الزيتي والزيت الرملي، وكان أحد اثنين من كبار الباحثين في هذا المجال في شركة شل.  قال لي عندئذٍ: إني أعرف الدكتور فاينغار.

سألني ما رأيي في موضوع النزاع بين “اسرائيل وفلسطين والعالم العربي”. أجبته بأني أعتقد أن مصير “اسرائيل” عاجلاً أم آجلاً هي تماماً كمصير الصليبين الذين مكثوا في البلاد حوالي مئتي سنة وتمّ هزيمتهم بعد ذلك . وما زال لدينا الوقت الطويل .  لم يعجب قولي هذا صاحبنا حتى انه حين تصادفنا برحلة العودة من نيودلهي الى عمان لم يتكلم أحدنا مع الاخر شيئاً.

أثار انتباهي مؤخراً مقال بالانجليزية للكاتب الاسرائيلي اوري افنيري وعضو الكنيستالسابق) وعمره 90 عاماً وعنوانه ” الصليبيون والصهاينة”. وهذا الكاتب هو داعية للسلام وفي أي مقياس فهو أفضل مئة مرّة من الكتاب الصهاينة المسلمين وما أكثرهم هذه الأيام !

يقول اوري افنيري: “خلال حرب 1948 كانت وحدة الكوماندوز التي كنت احد افرادها تحارب في جبهة الجنوب. وعند انتهاء الحرب بقي شريط ضيق على شاطئ البحر المتوسط بإيدي المصريين أسميناه قطاع غزة وبنينا حوله التحصينات “بقول اوري افنيري أنه بعد ذلك بسنوات قرأ كتاباً للكاتب الانجليزي ستيفين رونسيمان  Steven Runciman عنوانه “تاريخ الحروب الصليبية” ومما شد انتباه اوري افنيريأنه بعد الحرب الصليبية الاولى بقي شريط حدودي على شاطئ البحر المتوسط بقي مع المصريين . وتفاجأ اوري افنيري بأن التحصينات التي بناها الاسرائيليون كانت متطابقة تماماً مع التحصينات التي بناها الصليبيون وبقي قطع غزة ايام الصليبين مع المصريين كما بقي مع المصريينفي حرب 1948!! فما كان من افنيري الاأن كتب رسالة الى المؤلف الانجليزي يسأله عن هذا التصادف وان كان الكاتب الانجليزي قد طرأ بباله المقارنة بين الصليبيّن واسرائيل؟ اجابه المؤلف رونسيمان بأنه فعلاً فكر في ذلك واتفق اوري افنيري مع المؤلف باللقاء في بريطانيا.

عند زيارة اوري افنيري الى رونسيمان في بريطانيا، عملا مقارنة بأن ثيودور هيرزل يماثل دورالبابا اربان (Urban)ايام الصليبين، وأنه غودفري الصليبي هو بن غوريون، وأن موشي ديان هو رينولد الصليبي، واعتبر المؤلف أن اوري افنيري بصفته داعياً للسلام هو مثل ريموند حاكم طرابلس الصليبي: كذلك جاءت الحركتين الصليبية والصهيونية من الغرب، وكان خلفها البحر وأوروبا وامامها العرب والمسلمين في الحالتين.

ما أثار ذكريات اوري افنيري ان”الجهاديين” هذه الايام يقرنون الحروب الصليبية والصهيونية في أكثر احاديثهم وهو أمر له دلالاته الخطيرة فإذا لم ينسى هؤلاء الحروب الصليبية بعد أكثر من ستة  قرون من انتهائها فكيف يمكن أن يتسامحوا معنا؟ يرى ان على اسرائيل ان تتعلم من دورس الحروب الصليبية. كتب افنيري: علينا أن نعرف من نحن . هل نحن اوروبيون نجابه منطقة معادية. ام نحن جدار ضد “البربرية الاسيوية” كما قال هيرتزل؟أم نحن قصرفي غابة كما قال ايهود باراك؟ باخصتار علينا ان نقرر هل نحن منتمون الى هذه المنطقة أم اننا اوروبيون جاءوا الى القارة نتيجة خطاً ما؟

بعد 200 عام من التواجد في فلسطين تم بعدها قذف آخرهم في البحر من ميناء عكا. مسيحيو بلاد الشام حاربوا مع صلاح الدين. متذكراً نهاية الصليبين كان رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق شامير يقول: ” البحر مازال هو نفس البحر والعرب ما زالوا نفس العرب”.

المشكلة أن البحر ما زال فعلاً هو نفس البحر ولكن العرب اليوم هم ليسو نفس العرب حينئذٍ. ما اطال أمد الصليبين في منطقة الهلال الخصيب كان فرقة الامراء المسلمين بل وتحالف بعضهم مع الصليبين ضد امراء مسلمين آخرين، الى أن جاء صلاح الدين وخلص الناس من مثل هؤلاء الامراء ثم قام بتوحيد مصر مع بلاد الشام فكانت بداية نهاية الصليبين. هل نحن بإنتظار صلاح الدين الجديد؟

مستشار عالمي للبترول، كاتب وباحث

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد